كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال القاضي عياص في الشفا: وأما قصة داود عليه السلام، فلا يجب أن يلتفت إلى ما سطره فيها الإخباريون على أهل الكتاب الذين بدلوا وغيروا، ونقله بعض المفسرين ولم ينص الله على شيء من ذلك، ولا ورد في حديث صحيح. والذي نص الله عليه قوله {وَظَنَّ داود أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} وقوله فيه {أوَّابٌ} فمعنى {فتنَّاهُ} أي اختبرناه. و{أوَّابٌ} قال قتادة: مطيع. وهذا التفسير أولى. قال ابن عباس وابن مسعود: ما زاد داود على أن قال للرجل: انزل عن امرأتك وأكفلنيها. فعاتبه الله على ذلك ونبهه عليه. وأنكر عليه شغله بالدنيا. وهذا هو الذي ينبغي أي يعول عليه من أمره. وقد قيل خطبها على خطبته، وقيل: بل أحب بقلبه أن يستشهد. وحكى السمرقندي أن ذنبه الذي استغفر منه قوله {لَقَدْ ظَلَمَكَ} فظلمه بقول خصمه. وقيل: بل لما خشيه على نفسه، وظن من الفتنة بما بسط له من الملك والدنيا. وإلى نفى ما أضيف في الأخبار إلى داود من ذلك ذهب أحمد بن نصر وأبو تمام، وغيرهما من المحققين. قال الداودي: ليس في قصة داود وأوريا خبر يثبت. ولا يظن بنبي محبة قتل مسلم. وقيل: إن الخصمين اللذين اختصما إليه، رجلان في نتاج غنم على ظاهر الآية. وقيل: بل لما خشي على نفسه وظن من الفتنة لما بسط له من الملك والدنيا. انتهى.
وقال ابن القيم في أواخر كتابه الجواب الكافي في مباحث العشق: وقد أرشد صلى الله عليه وسلم المتحابين إلى النكاح. كما في سنن ابن ماجه مرفوعًا: لم ير للمتحابَّين مثل النكاح. ونكاحه لمعشوقه هو دواء العشق الذي جعله الله دواءه شرعا وقدرا. وبه تواوى نبي الله داود عليه السلام ولم يرتكب نبي الله محرما. وإنما تزوج المرأة وضمها إلى نسائه لمحبته لها. وكانت توبته بحسب منزلته عند الله وعلو مرتبته. ولا يليق بنا المزيد على هذا. انتهى.
وهذا منه تسليم ببعض القصة لا تمامها. وهو من الأوال فيها.
وأما دعوى بعضهم أن التوراة تعد داود ملكا حكيما، لا نبيا، بدليل ذكره في أسفار الملوك منها، وما فيها من أنه بعث إليه نبي يقال له قاشان، ضرب له المثل المذكور فدعوى مردودة من وجوه:
منها أن الاستدلال بالتوراة التي بين أيديهم في إهباتٍ أو نفي لا يعول عليه. كيف لا؟ وقد أوتينا بيضاء نقية محفوظة من التغيير والتبديل بحمده تعالى. ومنها أن نبوة داود عليه السلام لا خلاف فيها عند المسلمين، فلا عبرة بخلاف غيرهم.
ومنها أنه لا مانع أن تجتمع النبوة والملك لمن أراده الله واصطفاه. وقد فعل ذلك بداود وسليمان عليهما السلام.
ومنها أنه لا حاجة في كتابنا الكريم أن يتمم بما جاء في غيره، أو يحاول رده إلى سواه من الكتب، أو هي إليه، لاستغنائه بنفسه. بل وكونه مهيمنا على سائر الكتب، كما أخبر الله تعالى عنه. فليتأمل ذلك. والله أعلم.
وقد روي أن عمر بن عبد العزيز حدًّث بنبأ داود على ما يرويه القصاص، وعنده رجل من أهل الحق. فكذب المحدث به، وقال: إن كانت على ما ذكرت وكف الله عنها سترا على نبيه، فما ينبغي إظهارها عليه. فقال عمر: لسماعي هذا الكلام، أحب إلى مما طلعت عليه الشمس. نقله الزمخشري.
قال الناصر في الانتصاف: وقد التزم المحققون من أئمتنا أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، داود وغيره، منزهون من الوقوع في صغائر الذنوب، مبرءون من ذلك، والتمسوا المحامل الصحيحة لأمثال هذه القصة. وهذا هو الحق الأبلج، والسبيل الأبهج، إن شاء الله تعالى. انتهى.
التنبيه الثاني: قال ابن الفرس: في هذه القصة دليل على جواز القضاء في المسجد أي لظاهر المحراب. إلا أنه ليس نصًّا في محراب المسجد والتلطف في رد الإنسان عن المكروه صنعه. وأنه لا يؤاخذ بعنف ما أمكن. وجواز المعاريض من القول.
قال الزمخشري: وإنما جاءت على طريقة التمثيل والتعريض، دون التصريح، لكونها أبلغ في التوبيخ. من قبل أن المتأمل إذا أداه إلى الشعور بالعرض به، كان أوقع في نفسه وأشد تمكنا من قلبه، وأعظم أثرا فيه، وأجلب لاحتشامه وحيائه، وأدعى إلى التنبيه على الخطأ فيه، من أن يباده به صريحا، مع مراعاة حسن الأدب بترك المجاهرة. ألا ترى إلى الحكماء؟ كيف أوصوا في سياسة الولد، إذا وجدت منه منة منكرة، بأن يعرض له بإنكارها عليه، ولا يصرح. وأن تحكى له حكاية ملاحظة لحاله، إذا تأملها استسمج حال صاحب الحكاية، فاستسمج حال نفسه. وذلك أزجر له. لأنه ينصب ذلك مثالا لحاله، ومقياسا لشأنه. فتصور قبح ما وجد منه بصورة مكشوفة. مع أنه أصون لما بين الوالد والولد من حجاب الحشمة.
الثالث: قال ابن مسعود في قوله تعالى: {إنَّ هَذَا أَخِي} أي على ديني. أخرجه ابن أبي حاتم.
فقيه جواز إطلاق الأخ على غير المناسب. واستدل بقوله تعالى: {وَخَرَّ رَاكِعًا} من أجاز التعويض عن سجود التلاوة بركوع. والأكثرون على أن الركوع هنا مجاز مرسل، عن السجود. لأنه لإفضائه إليه جعل كالسبب، ثم تجوز به عنه. أو هو استعارة له، لمشابهته له في الانحناء والخضوع.
الخامس: قال ابن كثير: اختلف الأئمة في سجدة ص هل هي من عزائم السجود؟ على قولين: أحدهما أنها ليست من العزاغئم، بل هي سجدة شكر. لما روى عن ابن عباس رشي الله عنهما أنه قال: إنها ليست من عزائم السجود، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد فيها، رواه أحمد والبخاري وأصحاب السنن. وعنه أنه قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم سجد في ص وقال: سجدها داود عليه الصلاة والسلام توبة، ونسجدها شكرا، تفرد به النسائي وعن أبي سعيد الخدري رشي الله عنه قال: «قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر ص فلما بلغ السجدة نزل فسجد وسجد الناس معه. فلما كان يوم آخر قرأها. فلما بلغ السجدة تشزن الناس للسجود. فقال صلى الله عليه وسلم: إنما هي توبة نبي. ولكن رأيتكم تشزنتم، فنزل وسجد». تفرد أبو داود. وإسناده على شرط الصحيح.
{يَا داود إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ} أي: استخلفناك على الملك في الأرض كمن يستخلفه بعض السلاطين على بعض البلاد ويملكه عليها، ومنه قولهم: خلفاء الله في أرضه: {فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى} أي: هوى النفس، من الميل إلى مال، أو جاه، أو قريب، أو صاحب: {فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ} أي: صراطه الموصل إلى الكمالات، كحفظ المملكة، والنصر على الأعداء، والنجاة في الآخرة ورفع الدرجات فيها: {إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} أي: بسبب نسيانهم، وهو ضلالهم عن السبيل، فإن تذكره يقتضي ملازمة الحق، ومخالفة الهوى.
تنبيه:
في الآية بيان وجوب الحكم بالحق، وأن لا يميل إلى أحد الخصمين لقرابة، أو رجاء، أو سبب يقتضي الميل، واستدل بها بعضهم على احتياج الأرض إلى خليفة من الله. كذا في الإكليل. وقال ابن كثير: هذه وصية من الله عز وجل لولاة الأمور أن يحكموا بين الناس بالحق المنزل من عنده تبارك وتعالى، ولا يعدلوا عنه فيضلوا عن سبيل الله، وقد توعد تبارك وتعالى من ضل عن سبيله وتناسى يوم الحساب، بالوعيد الأكيد، والعذاب الشديد. روى ابن أبي حاتم عن أبي زرعة، أن الوليد بن عبد الملك قال له: أيحاسب الخليفة، فإنك قد قرأت الكتاب الأول وقرأت القرآن وفقهت؟ فقلت: يا أمير المؤمنين؟ أقول؟ قال: قل في أمان. قلت: يا أمير المؤمنين! أنت أكرم على الله أو داود عليه الصلاة والسلام؟ إن الله تعالى جمع له النبوة والخلافة. ثم توعده في كتابه قال تعالى: {يَا داود إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ} الآية.
وقال الرازي: اعلم أن الْإِنْسَاْن خلق مدنيًّا بالطبع؛ لأن الْإِنْسَاْن الواحد لا تنتظم مصالحه إلا عند وجود مدينة تامة، حتى هذا يحرث، وذاك يطحن، وذلك يخبز، وذلك ينسج والآخر يخيط. وبالجملة، فيكون كل واحد منهم مشغولًا بمهم، وينتظم من أعمال الجميع مصالح الجميع. فثبت أن الْإِنْسَاْن مدني بالطبع. وعند اجتماعهم في الموضع الواحد يحصل بينهم منازعات ومخاصمات، ولابد من إنسان قادر قاهر يقطع تلك الخصومات، ويفصل تلك الحكومات. وذلك هو السلطان الذي ينفذ حكمه على الكل.
فثبت أنه لا تنتظم مصالح الخلق إلا بسلطان قاهر سائس، ثم إن ذلك السلطان القاهر السائس، إن كان حكمه على وفق هواه ولطلب مصالح دنياه، عظم ضرره على الخلق، فإنه يجعل الرعية فداء لنفسه، ويتوسل بهم إلى تحصيل مقاصد نفسه، وذلك يفضي إلى تخريب العالم، ووقوع الهرج، والمرج في الخلق. وذلك يفضي بالآخرة إلى هلاك ذلك الملك.
أما إذا كانت أحكام ذلك الملك مطابقة للشريعة الحقة الإلهية، انتظمت مصالح العالم، واتسعت أبوب الخيرات على أحسن الوجوه. فهذا هو المراد من قوله: {فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ} يعني لابد من حاكم بين الناس بالحق، فكن أنت ذلك. ثم قال: {وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ} الآية، وتفسيره أن متابعة الهوى توجب الضلال عن سبيل الله، والضلال عن سبيل الله يوجب سوء العذاب. فينتج أن متابعة الهوى توجب سوء العذاب. انتهى.
{وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا} أي: خلقًا باطلًا، لا حكمة فيه، أو مبطلين عابثين، كقوله تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ} [الدخان: 38- 39]. وهو أن تقوم الناس بالقسط في المعتقدات، والعبادات، والمعاملات: {ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا} أي: ولذا أنكروا البعث، والجزاء على الأعمال، وأخذوا يصدون عن سبيل الله، ويبغون في الأرض الفساد.
قال الزمخشري: ومن جحد الخالق فقد جحد الحكمة من أصلها، ومن جحد الحكمة في خلق العالم فقد سفه الخالق، وظهر بذلك أنه لا يعرفه ولا يقدره حق قدره، فكان إقراره بكونه خالقًا، كلا إقرار.
{أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ} قال المهايمي: أي: أنترك البعث بالكلية، أم نبعث ونجعل الذين آمنوا فشكروا نعمة العقل والكتاب، وعملوا الصالحات فشكروا نعمة الأعضاء، كالمفسدين، بصرف العقل، والأعضاء إلى غير في المطبوع: الغير ما خلقت له؟: {أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ} أي: مخالفة أمر الله، رعاية لمحبته: {كَالْفُجَّارِ} أي: الذين يخالفون أوامر الله، ولا يبالون بعداوته؛ أي: لا نفعل ذلك، ولا يستوون عند الله.
قال ابن كثير: وإذا كان الأمر كذلك، فلابد من دار أخرى يثاب فيها هذا المطيع، ويعاقب فيها هذا الفاجر، وهذا الإرشاد يدل العقول السليمة، والفطر المستقيمة، على أنه لابد من معاد وجزاء، فإذا نرى الظالم الباغي يزداد ماله وولده ونعيمه، ويموت كذلك، ونرى المطيع المظلوم يموت بكمده، فلابد في حكمة الحكيم العليم العادل، الذي لا يظلم مثقال ذرة، من إنصاف هذا من هذا، وإذا لم يقع هذا في هذه الدار، فتعين أن هناك دارًا أخرى لهذا الجزاء والمواساة، ولما كان القرآن يرشد إلى المقاصد الصحيحة والمآخذ العقلية الصريحة، قال تعالى: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ} أي: كثير الخير: {لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ} قال المهايمي: أي: لينظروا في ألفاظه وترتيبها ولوازمها، فيستخرجوا منها علومًا بطريق الاستدلال. وقال الزمخشري: تدبر الآيات: التفكر فيها، والتأمل الذي يؤدي إلى معرفة ما يدبر ظاهرها من التأويلات الصحيحة، والمعاني الحسنة، لأن من اقتنع بظاهر المتلو لم يَحْلَ منه بكثير طائل. وكان مثله كمثل من له لقحة درور لا يحلبها، ومرة نثور لا يستولدها. وعن الحسن: قد قرأ هذا القرآن عبيد وصبيان لا علم لهم بتأويله، حفظوا حروفه وضيعوا حدوده، حتى إن أحدهم ليقول: والله! لقد قرأت القرآن فما أسقطت منه حرفًا، وقد- والله!- أسقطه كله، ما يُرى للقرآن عليه أثر في خُلُق ولا عمل، والله! ما هو بحفظ حروفه، وإضاعة حدوده، والله ما هؤلاء بالحكماء، ولا الوزعة، لا كثر الله في الناس مثل هؤلاء. اللهم اجعلنا من العلماء المتدبرين، وأعذنا من القراء المتكبرين.
{وَوَهَبْنَا لِداود سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} أي: كثير الرجوع في المطبوع: الوجوع إلى الله تعالى، بالتوبة والإنابة.
{إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ} أي: من الخيل، جمع: صافن، وهو الذي يقوم على طرف سنبك يد، أو رجل {الْجِيَادُ} جمع جواد، وهو الذي يسرع في جريه، أو بمعنى الحسان جمع جيد.
{فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي} أي: آثرته عليه، عدل عنه للمناسبة اللفظية وقصد التجنيس، وفائدة التضمين إشارة إلى عروضه، و: {ذِكْرِ رَبِّي} إما مضاف لفاعله أو لمفعوله.
قال الزمخشري: والخير المال كقوله: {إِنْ تَرَكَ خَيْرًا} [البقرة: 180]، وقوله: {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} [العاديات: 8]، والمال: الخيل التي شغلته، أو سمي الخيل خيرًا كأنها نفس الخير، لتعلق الخير بها. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة»، وقال في زيد الخيل حين وفد عليه وأسلم: «ما وصف لي رجل فرأيته، إلا كان دون ما بلغني، إلا زيد الخيل» وسماه زيد الخير، وسأل رجل بلالًا رضي الله عنه عن قوم يستبقون، من السابق؟ فقال: رسول الله صلّى الله عليه وسلم. فقال له الرجل: أردت الخيل. فقال: وأنا أردت الخير {حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ} أي: غربت الشمس، متعلق بقوله تعالى: {أحْبَبْتُ} وفيه استعارة تصريحية، أو مكنية لتشبيه الشمس بامرأة حسناء، أو ملك. وباء: {بالْحِجَابِ} للظرفية، أو الاستعانة، أو الملابسة.
{رُدُّوهَا عَلَيَّ} يعني الصافنات، وهذا من مقول القول، فلا حاجة إلى تقدير قول آخر {فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ} أي: فجعل يمسح مسحًا، أي: يمسح بالسيف بسوقها وأعناقها، يعني يقطعها.
تنبيه:
قال ابن كثير: ذكر غير واحد من السلف والمفسرين أن سليمان عليه السلام اشتغل بعرض الخيل حتى فات وقت صلاة العصر، والذي يقطع به أنه لم يتركها عمدًا بل نسيانًا، كما شغل النبي صلّى الله عليه وسلم يوم الخندق عن صلاة العصر، حتى صلاها بعد الغروب، وذلك ثابت في الصحيحين من غير وجه، ويحتمل أنه كان سائغًا في ملتهم تأخير الصلاة لعذر الغزو، والقتال. والخيلُ تراد للقتال، وقد ادعى طائفة من العلماء أن هذا كان مشروعا فنسخ ذلك بصلاة الخوف، ومنهم من ذهب إلى ذلك في حال المسايفة والمضايقة حتى لا يمكن في المطبوع: تمكن صلاة، ولا ركوع، ولا سجود، كما فعل الصحابة رضي الله عنهم في فتح تستر، وهو منقول عن مكحول، والأوزاعي، وغيرهما، والأول أقرب؛ لأنه قال بعد: {رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ} قال الحسن البصري: قال: لا، والله! لا تشغليني عن عبادة ربي آخر ما عليك، ثم أمر بها فعقرت. وكذلك قال قتادة.
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما: جعل يمسح أعراف الخيل وعراقيبها حبًّا لها، وهذا القول اختاره ابن جرير. قال: لأنه لم يكن ليعذب حيوانًا بالعرقبة، ويهلك مالًا من ماله بلا سبب، سوى أنه اشتغل عن صلاته بالنظر إليها ولا ذنب لها، وهذا الذي رجح ابن جرير، فيه نظر؛ لأنه قد يكون في شرعهم جواز مثل هذا، ولاسيما إذا كان غضبًا لله تعالى، بسبب أنه اشتغل بها حتى خرج وقت الصلاة؛ ولهذا لما خرج عنها لله تعالى، عوضه الله عز وجل ما هو خير منها، وهو الريح التي تجري بأمره رخاء حيث أصاب، غدوّها شهر، ورواحها شهر، فهذا أسرع وخير من الخيل.